السبت، 25 أكتوبر 2014

أحاديث شهر الله المحرم من الكتب السته وفضل شهر الله المحرم








شيخ عبد الله بن صالح الفوزان
الاعتبار بمرور الأيام والأعوام:
قال تعالى :[ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الأَلْبَابِ ]   [آل عمران/190] وقال تعالى : [ إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ والأرض لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ]  [يونس/6] وقال تعالى : [ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَار ]  [النور/44] .
*  *  *
في هذه الآيات الكريمات يخبر الله تعالى عن الآيات الكونية الدالة على كمال علمه وقدرته ، وتمام حكمته ورحمته ، ومن ذلك اختلاف الليل والنهار ، وذلك بتعاقبهما ، واختلافهما بالطول والقصر ، والحر والبرد والتوسط ، وما فيس ذلك من المصالح العظيمة لكل ما على الأرض ، وكل ذلك من نعم الله تعالى ورحمته بخلقه ، الذي لا يدركه إلا أصحاب العقول السليمة والبصائر النَّيِّرة ، الذين يدركون حكمة الله تعالى في خلق الليل والنهار والشمس والقمر ، ويدركون ما في تعاقب الشهور والأعوام ، وتوالي الليالي والأيام .
والله تعالى جعل الليل والنهار خزائن للأعمال ، ومراحل للآجال ، إذا ذهب أحدهما خلفه الآخر ، لإنهاض همم العاملين إلى الخيرات ، وتنشيطهم على الطاعات ، فمن فاته الورد بالليل استدركه بالنهار ، ومن فاته بالنهار استدركه بالليل ، قال تعالى :[وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ]  [الفرقان/62] .
وينبغي للمؤمن أن يأخذ العبرة من مرور الليالي والأيام ، فإن الليل والنهار يبليان كل جديد ، ويقرِّبان كل بعيد ، ويطويان الأعمار ، ويشيِّبان الصغار ، ويفنيان الكبار ، وكل يوم يمر بالإنسان فإنه يبعده من الدنيا ويقرِّبه من الآخرة .
فالسعيد - والله - من حاسب نفسه ، وتفكر في انقضاء عمره ، واستفاد من وقته فيما ينفعه في دينه ودنياه ، ومن غفل عن نفسه تصرَّمت أوقاته ، وعَظُمَ فواته ، واشتدت حسراته ، نعوذ بالله من التفريط والتسويف .
ونحن في هذه الأيام نودِّع عاماً ماضياً شهيداً ، ونستقبل عاماً مقبلاً جديداً ، فعلينا أن نحاسب أنفسنا ، فمن كان مفرطاً في شيء من الواجبات فعليه أن يتوب ويتدارك ما فات ، وإن كان ظالماً لنفسه بارتكاب ما نهى الله ورسوله عنه ، فعليه أن يقلع قبل حلول الأجل ، ومَنْ منَّ الله عليه بالاستقامة فليحمد الله على ذلك وليسأله الثبات إلى الممات .
وليست هذه المحاسبة مقصورة على هذه الأيام ، بل هي مطلوبة كل وقت وأوان فمن لازَمَ محاسبة النفس استقامت أحواله ، وصلحت أعماله ، ومن غفل عن ذلك ساءت أحواله ، وفسدت أعماله .
ومما يؤسف عليه أن كثيراً من الناس إذا بدأ العام يَعِدُ نفسه بالجد والعزيمة الصادقة لإصلاح حاله ، ثم يمضي عليه اليوم بعد الأيام والشهر بعد الشهور ، وينقضي العام وحاله لم يتغير ، فلم يزدد من الخيرات ولم يتب من السيئات ، وهذه علامة الخيبة والخسران .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها ، وخير أعمارنا آخرها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، اللهم أعزَّ المسلمين بطاعتك ، ولا تذلهم بمعصيتك ، اللهم اجعل عامنا هذا وما بعده عام أمن وعزٍّ ونصر للإسلام والمسلمين ، وأسبغ علينا نعمك ، وارزقنا شكرها ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد.
الحث على قِصَرِ الأمل في الدنيا:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيَّ فقال :  ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) وكان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقول : ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك ) أخرجه البخاري (1)  .
*  *  *
الحديث دليل على وجوب اغتنام الأوقات ، والحث على قِصَرِ الأمل ، وتقديم التوبة والاستعداد للموت ، وهذا الحديث من أبلغ الكلام في التذكير بالآخرة وعدم الاغترار بالدنيا ، وذلك أن الدنيا فانية ، مهما طال عمر الإنسان فيها ، فهي دار ممر لا دار مقر ، وكل نفس ذائقة الموت ، وهذه حقيقة مشاهدة ، نراها كلَّ يوم وليلة ، ونحس بها كلَّ ساعة ولحظة ، وإذا كان الإنسان لا يدري متى ينتهي أجله ويأتيه الموت فعليه أن يستعد للرحيل ، وأن يكون عابر سبيل ، فلا يركن إلى الدنيا ولا يتعلق بها ولا يتخذها وطناً ولا تحدثه نفسه بالبقاء فيها ، فلا يتعلق منها إلا بما يتعلق به الغريب في غير وطنه الذي سيفارقه مهما تكن راحته وهناؤه ، وأن يكون فيها كالمسافر الذي يكتفي بسفره بالقليل الذي يساعده على بلوغ غايته وتحقيق مقصده .
ولقد أدرك الصحابي الجليل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - موعظة رسول الله صلى الله عليه وسلم إدراكاً علمياً وعملياً ، وأخذ منه هذه الوصايا الثلاث العظيمة :
الأولى :« إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء »  ومعنى ذلك : حث المؤمن على قِصَرِ الأمل في هذه الحياة ، وأنه ينبغي له إذا أمسى لا ينتظر الصباح ، وإذا أصبح لا ينتظر المساء ، بل يظن أن أجله مدركه قبل  ذلك .
الوصية الثانية : « وخذ من صحتك لمرضك » والمعنى : أنه ينبغي للمؤمن أن يغتنم أوقات الصحة وسلامة البدن من العلل ، وذلك بفعل الخير والإكثار من الطاعات ، قبل أن يحول بينه وبينها السُّقْمُ ، فيعجز عن الصيام والقيام وسائر الأعمال ، إذا اعتراه مرض أو علة أو كِبَرٌ .
الوصية الثالثة : « ومن حياتك لموتك » والمعنى : أنه ينبغي للمؤمن أن يغتنم زمن الحياة وساعات العمر بتقديم الزاد ، ولا يفرط حتى يدركه الموت ، ويحول بينه وبين الأعمال الصالحة .
وقد ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :   ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ) أخرجه البخاري(2) .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه : ( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ) أخرجه الحاكم وصححه (3).
فالواجب علينا ونحن نستقبل عاماً جديداً أن نغتنم الأوقات ، ونبادر بالأعمال الصالحة قبل أن يحال بيننا وبينها ، إما بشغل أو مرض أو موت .
اللهم أيقظنا لتدارك بقايا الأعمار ، ووفقنا للتزود من الخير والاستكثار ، اللهم أيقظ قلوبنا من رقدات الآمال ، وذكِّرنا قربَ الرحيل ودنوَّ الآجال ، وثبت قلوبنا على الإيمان ، ووفقنا لصالح الأعمال ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …

فضل شهر الله المحرم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضلُ الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرم ، وأفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل ) وفي رواية: ( الصلاة في جوف الليل ) أخرجه مسلم (4) .
*  *  *
الحديث دليل على فضل صيام شهر الله المحرم ، وأن صيامه يلي فضل شهر رمضان في الأفضلية ، وفضل الصيام فيه جاء من فضل أوقاته وتعظيم الأجر فيه ، لأن الصيام من أفضل الأعمال عند الله تعالى .
وشهر الله المحرم هو الشهر الذي تبدأ به السنة الهجرية ، كما تمَّ الاتفاق على ذلك في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو أحد الأشهر الحرم التي ذكر الله في كتابه ، فقال تعالى : [ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ  ][التوبة/36] وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( … السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم : ثلاثة متوالية ، ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجبُ مُضَرَ الذي بين جمادى وشعبان ) متفق عليه(5) .
وقد أضاف الله تعالى هذا الشهر إليه تشريفاً وتعظيماً ، لأن الله تبارك وتعالى لا يضيف من الأشياء إليه إلا خواصُها كبيت الله ، ورسول الله ، ونحو ذلك ، وسمي محرماً تأكيداً لتحريمه ، لأن العرب كانت تتقلب فيه ، فتحله عاماً وتحرمه عاماً .
وقوله تعالى :[ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ] أي : في هذه الأشهر المحرَّمة ، لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها ، قال قتادة : ( إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزراً من الظلم فيما سواها ، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً ، ولكن الله يُعَظِّمُ من أمره ما يشاء ) (6).
وقد جعل الله هذه الشهور الهلالية مواقيت للناس ، لأنها علامات محسوسة يعرف كل أحد بدايتها ونهايتها ، ومما يؤسف عليه أن كثيراً من المسلمين تركوا التاريخ الهجري ، وأخذوا بتاريخ النصارى الميلادي المبني على أشهر وهمية غير مبنية على مشروع ولا معقول ولا محسوس .
وهذا دليل الضعف والانهزامية والتبعية لغير المسلمين ، ومن مفاسده : ربط المسلمين وناشئتهم بتاريخ النصارى ، وإبعادهم عن تاريخهم الهجري الذي ارتبط برسولهم صلى الله عليه وسلم وبشعائر دينهم وعبادتهم(7)، فالله المستعان .
وقد دل الحديث على أن أفضل ما يتطوع به من الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم ، والظاهر أن هذا محمول على أنه أفضل شهر يُتطوع بصيامه بعد رمضان ، أما التطوع بصيام بعض الأيام منه فقد يكون بعض الأيام أفضل من أيامه كيوم عرفة ، وستة أيام من شوال .
وظاهر الحديث فضل صيام شهر المحرم كاملاً ، وحمله بعض العلماء على الترغيب في الإكثار من الصيام في شهر المحرم لا صومه كله ، لقول عائشة رضي الله عنها : ( … ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان ) أخرجه مسلم (8).
اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة ، وارزقنا الاستعداد قبل النُّقلة ، وألهمنا اغتنام الزمان وقت المهلة ، ووفقنا لفعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …



يوم عاشوراء في التأريخ:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ( كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية ، فلما قدم المدينة صامه ، وأمر بصيامه ، فلما فُرِضَ رمضان ترك يوم عاشوراء ، فمن شاء صامه ، ومن شاء تركه ) أخرجه البخاري ومسلم (9).
*  *  *
الحديث دليل على أن أهل الجاهلية كانوا يعرفون يوم عاشوراء ، وأنه يوم مشهور عندهم ، وأنهم كانوا يصومونه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه - أيضاً - ، واستمر على صيامه قبل الهجرة ، ولم يأمر الناس بصيامه ، وهذا يدل على قدسية هذا اليوم وعظيم منـزلته عند العرب في الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولهذا كانوا يسترون فيه الكعبة ، كما في حديث عائشة - أيضاً - رضي الله عنها ، قالت :   ( كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان ، وكان يوماً تُسْتَرُ فيه الكعبة … الحديث ) أخرجه البخاري (10)، قال القرطبي : ( حديث عائشة يدل على أن صوم هذا اليوم كان عندهم معلوم المشروعية والقدر ، ولعلهم كانوا يستندون في صومه إلى أنه من شريعة إبراهيم وإسماعيل - صلوات الله وسلامه عليهما - فإنهم كانوا ينتسبون إليهما ، ويستندون في كثير من أحكام الحج وغيره إليهما …) (11).
والذي يستفاد من مجموع الأدلة أن صوم عاشوراء كان واجباً في أول الأمر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، على الصحيح من قولي أهل العلم (12) ، لثبوت الأمر بصومه ، وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : ( أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أن أذن في الناس : أن من كان أكل فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم ، فإن اليوم يوم عاشوراء ) متفق عليه (13).
ولما فرض رمضان في السنة الثانية من الهجرة نُسِخَ وجوبُ صومِ عاشوراء ، وبقي الاستحباب ، ولم يقع الأمر بصوم عاشوراء إلا في سنة واحدة ، وهي السنة الثانية من الهجرة حيث فرض عاشوراء في أولها ، ثم فرض رمضان بعد منتصفها ، ثم عزم النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عمره - في السنة العاشرة - على ألا يصومه مفرداً بل يصوم قبله اليوم التاسع ، كما سيأتي - إن شاء الله - وهي صورة من صور مخالفة أهل الكتاب في صفة صيامهم .
اللهم يا من لا تضره المعصية ولا تنفعه الطاعة ، ارزقنا التوبة إليك والإنابة ، وأيقظنا يا مولانا من نوم الغفلة ، ونبهنا لاغتنام أوقات المهلة ، اللهم اجعلنا ممن توكل عليك فكفيته ، واستهداك فهديته ، واستنصرك فنصرته ، وتضرع إليك فرحمته ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …

الترغيب في صيام يوم عاشوراء:
عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء ، فقال :  ( يكفر السنة الماضية) وفي رواية : ( … وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) أخرجه مسلم(14).
*  *  *
الحديث دليل على فضل صيام يوم عاشوراء ، وهو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، على القول الراجح والمشهور عند أهل العم .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سئل عن صيام يوم عاشوراء ، فقال : ( ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ، ولا شهراً إلا هذا الشهر ، يعني رمضان ) متفق عليه(15).
فينبغي للمسلم أن يصوم هذا اليوم ، ويحث أهله وأولاده على صيامه ، اغتناماً لفضله ، وتأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء ، ويحثنا عليه ، ويتعاهدنا عليه … الحديث ) أخرجه مسلم(16) .
والصيام من أفضل الأعمال عند الله تعالى ، ومن فوائد صوم التطوع - إضافة إلى ما رُتِّب عليه من الأجر - أنه كغيره من التطوعات يجبر ما عسى أن يكون في أداء الفرض من نقص أو تقصير ، وفي ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الصلاة: ( قال الرب تبارك وتعالى : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فَيُكَمَّلُ بها ما انْتَقَصَ من الفريضة ، ثم يكون سائر عمله كذلك )(17).
كما أن صوم النفل يهيئ المسلم للترقي في درجات القرب من الله تعالى ، والظفر بمحبته ، كما في الحديث القدسي : ( ما تَقرَّب إليّ عبدي بأفضل مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبَّه …   الحديث )(18).
وأعلم أن كل نص جاء فيه تكفير بعض الأعمال الصالحة للذنوب ، كالوضوء وصيام رمضان وصيام يوم عرفة ، وعاشوراء وغيرها ، أن المراد به الصغائر ، لأن هذه العبادات العظيمة ، وهي الصلوات الخمس والجمعة ورمضان إذا كانت لا تُكَفَّر بها الكبائر - كما ثبت في السنة - ، فكيف بما دونها من الأعمال ؟
ولهذا يرى جمهور العلماء أن الكبائر كالربا والزنا والسحر وغيرها ، لا تكفِّرها الأعمال الصالحة ، بل لا بد لها من توبة أو إقامة الحد فيما يتعلق به حد .
فعلى المسلم أن يباد بالتوبة في هذه الأيام الفاضلة من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها ، لعل الله تعالى أن يتوب عليه ويغفر ذنبه ، ويقبل طاعته ، لأن التوبة في الأزمنة الفاضلة لها شأن عظيم ، فإن الغالب إقبال النفوس على الطاعات ، ورغبتها في الخير ، فيحصل الاعتراف الذنب ، والندم على ما مضى ، لا سيما ونحن في بداية عام جديد ، وإلا فالتوبة واجبة في جميع الأزمان .
اللهم يا مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا ، واستر في الدنيا والآخرة عيوبنا ، اللهم حبب إلينا الإيمان ، وزينه في قلوبنا ، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …

الحكمة من صيام يوم عاشوراء:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسئلوا عن ذلك ، فقالوا : هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، فنحن نصومه تعظيماً له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نحن أولى بموسى منكم ، فأمر بصيامه) أخرجه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : ( فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه … )(19).
*  *  *
في الحديث بيانٌ للحكمة العظيمة من مشروعية صيام يوم عاشوراء ، وهي تعظيم هذا اليوم وشكرُ الله تعالى على نجاة موسى عليه الصلاة والسلام وبني إسرائيل ، وإغراق فرعون وقومه ، ولهذا صامه موسى عليه السلام شكراً لله تعالى ، وصامته اليهود ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أحق بأن تقتدي بموسى من اليهود ، فإذا صامه موسى شكراً لله تعالى ، فنحن نصومه كذلك ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نحن أولى بموسى منكم ) وفي رواية : ( فأنا أحق بموسى منكم ) أي : نحن أثبت وأقرب لمتابعة موسى عليه السلام منكم ، فإنا موافقون له في أصول الدين ، ومصدقون لكتابه ، وأنتم مخالفون لهما بالتغيير والتحريف ، والرسول صلى الله عليه وسلم أطوع وأتبع للحق منهم ، فلذا صام يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه تقريراً لتعظيمه ، وتأكيداً لذلك .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود ، وتتخذه عيداً ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صوموا أنتم ) أخرجه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : ( كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيداً ، ويُلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فصوموا أنتم )(20).
وظاهر هذا أن من حكمة صومه مخالفة اليهود ، وذلك بعدم اتخاذه عيداً ، والاقتصار على صومه ، لأن يوم العيد لا يصام ، وهذا أوجه من مخالفة اليهود في يوم عاشوراء ، وسيأتي - إن شاء الله - وجه آخر من المخالفة ، وهو صوم التاسع قبله .

وقد ضلَّ في هذا اليوم طائفتان :
طائفة شابهت اليهود فاتخذت عاشوراء موسم عيد وسرور ، تظهر فيه شعائر الفرح كالاختضاب والاكتحال ، وتوسيع النفقات على العيال ، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ، ونحو ذلك من عمال الجهال ، الذين قابلوا الفاسد بالفاسد ، والبدعة بالبدعة .
وطائفة أخرى اتخذت عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة ، لأجل قتل الحسين بن علي - رضي الله عنهما - تُظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب ، وإنشاد قصائد الحزن ، ورواية الأخبار التي كذبها أكثر من صدقها ، والقصد منها فتح باب الفتنة ، والتفريق بين الأمة ، وهذا عمل من ضلَّ سعيه في الحياة الدنيا ، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً .
وقد هدى الله تعالى أهل السنة ففعلوا ما أمرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم من الصوم ، مع رعاية عدم مشابهة اليهود فيه ، واجتنبوا ما أمرهم الشيطان به من البدع ، فلله الحمد والمنة .
اللهم فقهنا في ديننا ، وارزقنا العمل به والاستقامة عليه ، ويسِّرنا لليسرى ، وجنبنا العسرى ، واغفر لنا في الآخرة والأولى ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد.

استحباب صيام اليوم التاسع مع العاشر:
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله ، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع ) قال : فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه مسلم ، وفي رواية له : ( لئن بقية إلى قابل لأصومن التاسع )(21) .
*  *  *
الحديث دليل على أنه يستحب لمن أراد أن يصوم عاشوراء أن يصوم قبله يوماً ، وهو اليوم التاسع ، فيكون صوم التاسع سنة وإن لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه عزم على صومه ، والغرض من ذلك - والله أعلم - أن يضمه إلى العاشر ليكون هديه مخالفاً لأهل الكتاب ، فإنهم كانوا يصومون العاشر فقط ، وهذا تشعر به بعض الروايات في مسلم ، وقد صح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفاً عليه : ( صوموا التاسع والعاشر خالفوا اليهود )(22).
وفي هذا دلالة واضحة على أن المسلم منهي عن التشبه بالكفار وأهل الكتاب ، لما في ترك التشبه بهم من المصالح العظيمة ، والفوائد الكثيرة ، ومن ذلك قطع الطرق المفضية إلى محبتهم والميل إليهم ، وتحقيق معنى البراءة منهم ، وبغضهم في الله تعالى ، وفيه - أيضاً - استقلال المسلمين وتميزهم  .
وقد ذكر أهل العلم أن أفضل المراتب في صيام عاشوراء ، صوم ثلاثة أيام : التاسع والعاشر والحادي عشر ، واستدلوا بحديث ابن عباس : ( خالفوا اليهود وصوموا قبله يوماً وبعده يوماً )(23) ، وهذا حديث ضعيف ، لا يعول عليه ، إلا أن يقال إن صيام الثلاثة يأتي فضلها زيادة على فضل عاشوراء لكونها من شهر حرام ، ورد الحث على صيامه ، وليحصل فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وقد ورد عن الإمام أحمد أنه قال : ( من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام ، ابن سيرين يقول ذلك )(24) .
والمرتبة الثانية : صوم التاسع والعاشر ، وعليها أكثر الأحاديث ، وتقدمت .
والمرتبة الثالثة : صوم التاسع والعاشر أو العاشر والحادي عشر ، واستدلوا بحديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ : ( صوموا يوم عاشوراء ، وخالفوا فيه اليهود ، صوموا قبله يوماً ، أو بعده يوماً ) وهو حديث ضعيف(25).
والمرتبة الرابعة : إفراد العاشر بالصوم ، فمن أهل العلم من كرهه ، لأنه تَشَبُّهٌ بأهل الكتاب ، وهو قول ابن عباس على ما هو مشهور عنه ، وهو مذهب الإمام أحمد ، وبعض الحنفية ، وقال آخرون : لا يكره ، لأنه من الأيام الفاضلة فيستحب إدراك فضيلتها بالصوم ، والأظهر أنه مكروه في حق من استطاع أن يجمع معه غيره ، ولا ينفي ذلك حصول الأجر لمن صامه وحده ، بل هو مثاب إن شاء الله تعالى .
اللهم وفقنا لما يرضيك ، وجنبنا معاصيك ، واجعلنا من عبادك الصالحين ، وحزبك المفلحين ، واعف عنا وتب علينا ، واغفر لنا ولوالدينا ، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد …


 


(3) المستدرك (4/306) وصححه على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في « اقتضاء العلم العمل » ص (100) ، وله شاهد عن عمر بن ميمون ، أخرجه ابن المبارك في « الزهد » رقم (2) ، وأبو نعيم في «الحلية» (4/148) ، والخطيب في « الاقتضاء » ص (100 - 101) قال الألباني : ( هذا إسناد مرسل حسن ) .
(17) رواه الترمذي بتمامه (413)عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً ، وقال : ( حديث حسن ) لكن فيه حُريث بن قبيصة أو قبيصة بن حريث ، وهو ضعيف ، ولعل الترمذي حسنه باعتبار طرقه.
(25) أخرجه أحمد (4/52) وابن خزيمة (3/290) (2095) والطحاوي في « شرح معاني الآثار » (2/78) والبيهقي (4/287) من طرق ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن داود بن علي ، عن أبيه ، عن جده ابن عباس به مرفوعاً ، وهذا إسناد ضعيف ، ولا يصح رفعه ، لما يلي :
1 - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيئ الحفظ جداً ، كما قال الحافظ في « التقريب » .
2 - داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي ، ذكره ابن حبان في « الثقات » (6/281) وقال :         ( يخطئ ) ، وقال الحافظ في « التقريب » : ( مقبول ) أي : عند المتابعة وإلا فليِّن الحديث ، وليس له في الكتب الستة إلا حديث واحد عند الترمذي (3419) ، ولعل الحافظ الذهبي لخص القول فيه ، كما في « سير أعلام النبلاء » (5/444) حيث قال : ( ما هو بحجة ،ولم يُقَحِّم أولو النقد على تليين هذا الضرب     لدولتهم ).
3 - علة الرفع ، فقد تقدم أن الموقوف جاء من طريق ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، وهم أو ثق وأحفظ من رجال طريق الرفع ، ولعل كلمة ابن حبان في داود بن علي فيها إشارة إلى ذلك ، ومما يؤيد رواية الوقف ما أخرجه الشافعي في مسنده (1/272 ترتيبه ) عن سفيان بن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، عن ابن عباس موقوفاً ، كذلك ، وإسناده صحيح .
==============================


أحاديث شهر الله المحرم من الكتب السته
أولاً: ما أخرجه الشيخان أو أحدهما وخرّجه أهل السنن :
1- حديث أبي عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبدالرحمن الحميري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل )
أخرجه مسلم ( كتاب الصيام ح 1982) والترمذي [ ( كتاب الصلاة – باب ما جاء في فضل صلاة الليل ح 438 وقال حسن صحيح ) و ( كتاب الصوم – باب ما جاء في صوم المحرم ح 740 وقال حسن صحيح ) ] والنسائي ( كتاب الصلاة – باب فضل صلاة الليل ح 1613) من طريق قتيبة بن سعيد به. ومن طريقه وطريق مسدد أخرجه أبو داود ( كتاب الصوم – باب في صوم المحرم ح 2429 .(
وأخرج مسلم الخبر من حديث عبدالملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد به ( كتاب الصيام ح 1983 ) من طريق جرير وزائدة به. ومن طريق زائدة أخرجه ابن ماجه في سننه ( كتاب الصيام – باب صيام أشهر الحرم ح 1742)
وقد جاء الخبر مرسلا من حديث شعبة عن أبي بشر عن حميد بن عبدالرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه النسائي في سننه ( كتاب الصلاة – باب فضل صلاة الليل ح 1614) قال النسائي : أرسله شعبة بن الحجاج.
فالحديث حيئذ رُوي موصولا ورُوي مرسلا فهل وصله صحيح ؟
سئل إمام العلل في زمانه الدارقطني عن هذا الحديث ) العلل 9/89-91) فقال :
" اختلف فيه على حميد بن عبدالرحمن فرواه عبدالملك بن عمير واختلف عنه فرواه زائدة بن قدامة وأبو حفص الأبار والثوري وشيبان وأبو حمزة وأبو عوانة وعبدالحكيم بن منصور وعكرمة بن إبراهيم وجرير بن عبدالحميد عن عبدالملك عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة. وخالفهم عبيدالله بن عمرو الرقي رواه عن عبدالملك بن عمير عن جندب بن سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم ووهم فيه والذي قبله أصح عن عبدالملك.
ورواه أبو بشر جعفر بن إياس عن حميد الحميري واختلف عنه فأسنده أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد الحميري عن أبي هريرة وخالفه شعبه فرواه عن أبي بشر عن حميد بن عبدالرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم ورفعه صحيح " اهـ
وقال أبو حاتم كما في علل الحديث : " ( 564/1) والصحيح متصل حميد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى النقل المراد منه.
فالخبر حيئذ صحيح موصولا وإن روي مرسلا ، وقد نقل ابن القيم في تعليقاته على السنن أن الإمام الدارقطني رجح إرسال الخبر، ولم أقف على ما يشير إرسال الخبر عنه فإنه قد قال : " ورفعه صحيح ".
بيان بالنكت والفوائد الحديثية المتعلقة بهذا الحديث :
1- ليس لحميد بن عبدالرحمن الحميري عن أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيح إلا هذا الحديث.
2- كل حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه فهو حميد بن عبدالرحمن الزهري إلا هذا الخبر فهو حميد بن عبدالرحمن الحميري. قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين ( 3/322( :
" وليس لحميد بن عبدالرحمن الحميري عن أبي هريرة في الصحيح غير هذا الحديث ، وليس له في البخاري في صحيحه عن أبي هريرة شيء " اهـ
3- أبو بشر اسمه جعفر بن أبي وحْشية (إياس ) كما نص عليه أبو عيسى الترمذي في جامعه عقب الخبر.
4- جاء هذا الخبر عن جندب بن سفيان رضي الله عنه في غير الكتب الستة وهذا وهم من عبيدالله بن عمرو كما نص عليه الدارقطني في علله كما سبق وأبو حاتم كما في علل الحديث لابنه (1/563) .
5- وقع في رواية النسائي أن حميد بن عبدالرحمن هو ابن عوف الزهري وهذا وهم كما قاله الحافظ في النكت الظراف حيث قال : " وقد رواه غير ابن السني فلم يقل ابن عوف ونسبه مسلم في رواية الحميري " اهـ
ثانياً : ما انفرد به أهل السنن :
1- حديث عبدالرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي رضي الله عنه : سأله رجل فقال : أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ قال له : ما سمعت أحداً يسأل عن هذا إلا رجلا سمعته يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد فقال : يا رسول الله ، أي شهر تأمرني أن أصوم بعد شهر رمضان ؟ قال : ( إن كنت صائما بعد شهر رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله فيه يوم تاب فيه على قوم ويتوب فيه على قوم آخرين )
أخرجه الترمذي في جامعه ) كتاب الصوم – باب ما جاء في صوم المحرم ح 741 وقال حسن غريب ) من حديث علي بن حجر عن علي بن مسهر به.
وهو من الأحاديث التي تفرد بها أبو عيسى الترمذي عن الخمسة ( البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه)
والخبر ضعيف ، في إسناده عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف كما في التقريب.
2- حديث يزيد بن عبدالله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم أن أسامة بن زيد كان يصوم أشهر الحرم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صم شوالاً " فترك أشهر الحرم ثم لم يزل يصوم شوالاً حتى مات.
أخرجه ابن ماجه في سننه ( كتاب الصيام – باب صيام أشهر الحرم ح 1744) من حديث محمد بن الصبّاح عن عبدالعزيز الدراوردي به.
ووَجهُ ذكر الخبر هنا أن أسامة رضي الله عنه كان يصوم أشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب ؛ ومحرم أحد الشهور الحرم فلذا أوردته هنا.
وهذا الخبر مما تفرد به ابن ماجه عن الخمسة ؛ ونادراً ما ينفرد ابن ماجه بحديث صحيح. وهذا الخبر ضعيف منقطع فلم يسمع محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي من أسامة ذكره في تهذيب التهذيب ونص عليه البوصيري في الزوائد.
3- حديث الجُرَيري عن أبي السّليل عن مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حالته وهيئته فقال : يا رسول الله ، أما تعرفني ؟ قال : " ومن أنت ؟ " قال : أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول ، قال : " فما غيّرك وقد كنت حسن الهيئة ؟ " قال : ما أكلت طعاما إلا بليل منذ فارقتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم عذبت نفسك ؟ " ثم قال : " صم شهر الصبر ويوما من كل شهر " قال : زدني فإن بي قوة قال : " صم يومين " قال : زدني قال : " صم ثلاثة أيام " قال : زدني قال : " صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك " قال بأصابعها الثلاثة وضمها.
أخرجه أبو داود ( كتاب الصوم – باب في صوم أشهر الحرم ح 2428 ) من حديث موسى بن إسماعيل عن حمّاد به ، وابن ماجه ( كتاب الصيام – باب صيام أشهر الحرم ح 1741) من حديث أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان به إلا أنه قال : عن أبي مجيبة الباهلية عن أبيه أو عن عمه.
وهذا الخبر من الأحاديث التي انفرد بها أبو داود عن الشيخين ؛ وقد جمع هذه الأحاديث الشيخ عبدالعزيز الطريفي في مجلدين.
وهذا الخبر ضعيف ففيه جهالة مجيبة الباهلية فقيل رجل وقيل امرأة من الصحابة وقيل أبو مجيبة الباهلية. وأعل الخبر بالاضطراب. وقد روي الخبر في المسند والطبراني من حديث كهمس الهلالي من غير ذكر صوم الحرم.
نكتة : الأحاديث الواردة في تسمية رمضان شهر الصبر ومنها هذا الخبر أسانيدها ضعيفة ، والمعنى صحيح.
ثانياً : فقه الأحاديث رواية :
هذه بعض الفوائد المتعلقة بفوائد الباب من الأحاديث والتي أصحها حديث أبي هريرة رضي الله عنه المخرج في الصحيح وهي :
1- فيه دليل على أفضلية التطوع بصيام شهر الله المحرم ؛ وقد أورد الخبر في كتاب الصوم جملة من أهل العلم منهم الإمام مسلم كدليل على الفضل. وقد نصّ النووي أن أفضل الشهور للصوم بعد رمضان محرم.
2- فيه دليل على أفضلية صلاة الليل ، وقد أورد الخبر في كتاب الصلاة بعض أهل العلم كدليل على الفضل.
3- وجه تسمية شهر محرم بشهر الله المحرم ما قاله الحافظ أبو الفضل العراقي فيما نقله عنه السيوطي في شرحه على سنن النسائي ( 207/3) :
" ما الحكمة في تسمية المحرم شهر الله والشهور كلها لله يحتمل أن يقال لما كان من الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال وكان أول شهور السنة أضيف إليه إضافة تخصيص ولم يصح إضافة شهر من الشهور إلى الله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا شهر الله المحرم " اهـ
4- قوله ( أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) ذكر النووي في شرحه المنهاج (3/55) أن أبا إسحاق المروزي – وهو من الشافعية – استدل به على أن صلاة الليل أفضل من السنن الراتبة وخالفه في ذلك أكثر الشافعية ، وقال النووي : " والأول أقوى وأوفق للحديث " وقد نقل النووي اتفاق العلماء على أن تطوع الليل أفضل من تطوع النهار.
5- مسألة : إن كان صوم المحرم أفضل الصيام بعد رمضان فكيف يجاب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم الصيام من شعبان وعدم إكثاره من محرم ؟
ذكر النووي في المنهاج (3/55) احتمالين : " أحدهما لعله إنما علم فضله في آخر حياته والثاني لعله كان يعرض فيه أعذار من سفر أو مرض أو غيره ". وقد سمعت بعض مشايخنا يقول أن صيام شعبان من قبيل صوم النافلة قبل الفرض فهو أشبه بالرواتب وصيام محرم من قبيل التطوع المطلق.
6- مسألة : ما هو الأفضل في التطوع بالصوم: صوم شهر محرم أو صوم شعبان ؟
فضل صوم شهر الله المحرم ثبت من قوله عليه السلام ، وصوم شعبان ثبت من فعله عليه السلام. فهل يقدم قوله أو فعله ؟ وهذا من مباحث الأصول ؛ والأظهر تقديم قوله على فعله لأن قوله تشريع للأمة وفعله قد يرد عليه ما يرد من الخصوصية ونحو ذلك فصوم شهر الله المحرم أفضل على الصحيح.
وكتبه
أبو عبدالعزيز نايف العتيبي غفر الله له






===============================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق